مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان

Organization for Human Rights Meezaan

العزل.. مقابر الأحياء

مقالات قانونية
مؤسسة يوسف الصديق لرعاية السجين

“يتساوى الموت مع الحياة في العزل، ففي تلك الزنازين موت مستمر في كل لحظة وطرفة عين تعجز عن وصفها كلمات، ويعجز عن احتمالها بشر”.
بهذه الكلمات لخص الأسير الفلسطيني محمود عيسى معاناة الأسرى المعزولين في سجون الاحتلال.
إن سياسة العزل هي إحدى وسائل الإذلال والقمع بحق الأسرى الفلسطينيين، بل هي من أشد وأقسى هذه الوسائل التي تلجأ إليها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ضد الأسرى. حيث يوضع الأسير في زنازين مظلمة وضيقة، بالكاد تدخلها الشمس، إن استطاعت، والرطوبة عالية، لفترات طويلة وبدون سقف زمني محدد.
غرف العزل صغيرة الحجم؛ حيث تبلغ مساحتها 1,8×2,5م تشمل الحمام ودورة المياه، ولا يوجد مكان أو متسع للمشي، وحتى لا يوجد متسع لأغراض الأسير وحاجياته. وقد تتضاعف المأساة إذا كان هناك أسيران في الزنزانة. كذلك تتميز غرف العزل بقلة التهوئة والرطوبة العالية، حيث يوجد في زنزانة العزل شباك واحد، صغير ومرتفع وقريب من السقف، بينما باب الزنزانة لا يوجد فيه سوى شباك صغير مساحته 8×8 سم، مما يتسبب في انتشار الأمراض وبالذات أمراض الجهاز التنفسي.
وأقل ما يقال عن هذه الزنازين إنها قبور لسياسة الموت البطيء، والتي قضى ويقضي فيها الأسرى سنوات طويلة معزولين عن العالم الخارجي ومحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية، ما يتناقض كليا مع القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة على وجه الخصوص، والتي حددت الفترة التي يحق فيها للجهة المحتجزة للأسير عزله انفراديا، وهي في المجمل لا تتعدى الأسابيع.

يمكن تقسيم العزل إلى ثلاثة أنواع أساسية:

1. العزل الانفرادي –وهو الأقسى والأصعب– حيث يحتجز الأسير في زنزانته منفردا، أو مع أسير آخر (ما يسمى العزل الثنائي) ممنوعا من التواصل مع باقي الأسرى، لمدة غير محدودة، حيث يمكن تمديد فترة العزل كل ستة أشهر إذا كان العزل انفراديا (أي شخص واحد في الزنزانة)، أو كل سنة إذا كان العزل مزدوجًا (أي شخصان في الزنزانة) من خلال محكمة صورية مرتهنة للمواد السرية المقدمة من قبل الشاباك ومصلحة السجون (والتي لا يسمح للأسير أو محاميه الاطلاع عليها أو معرفة مضمونها!!).

2. عزل انفرادي قصير لأيام عدة، وعادة ما يكون ذلك عقابا تنتهجه مصلحة السجون ضد الأسرى بادعاء ارتكاب “مخالفات” داخل السجن.

3. العزل الجماعي: وهذا يكون في قسم خاص مثل قسم 3 في سجن “هداريم”. والهدف الأساس منه هو إبعاد وعزل قيادات الحركة الأسيرة عن مجموع الأسرى.
إن الأنظمة الداخلية لمصلحة السجون حددت الأهداف والأسباب من وراء عزل الأسرى بواحدة أو أكثر من هذه الأمور: أمن السجن، منع الإضرار بالطاعة ونمط الحياة داخل السجن، المحافظة على صحة وسلامة السجين أو سجناء آخرين، أمن الدولة، منع مخالفات العنف والسموم. وكل ذلك بشرط أنه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف بطرق أخرى غير العزل. ولكن للأسف فإن المطلع على الأمور وعلى مظاهر معاناة المعزولين يتيقن أنه لا تقف وراءها الدوافع الأمنية أو أي من الأهداف المذكورة أعلاه، ولكن الأمر يتعداه لتكريس سياسة الإذلال والانتقام من بعض الأسرى على وجه الخصوص.
من مظاهر المعاناة التي يعيشها الأسرى المعزولون، والتي لا مجال لتفصيلها: وضعهم في أقسام الجنائيين، حيث يتعرضون إلى الإساءة والشتائم والإزعاج المستمر، والخروج إلى الساحة (ما يسمى بالفورة) لا يزيد عن ساعة يوميًا، كما أن توقيت الخروج لهذه الفورة غير ثابت ويعود لمزاج إدارة السجن، لذلك قد يخرج الأسير المعزول في الساعة السادسة صباحًا، حتى لو كان الجو ممطرًا وباردًا، وإذا طلب الأسير تأجيل الموعد ساعة أو أكثر يفقد الحق في الخروج طوال ذلك اليوم، وكذلك الاستعمال المفرط للأغلال (الكلبشات)، فهي ترافق الأسير في كل الحالات والظروف خارج الزنزانة، والتفتيش والمداهمات المستمرة للغرف، وأمور أخرى كثيرة.
من الجدير ذكره أن هذه السياسة أدت إلى ظهور أمراض وأعراض نفسية شديدة لدى بعض الأسرى؛ كالأسير عويضة كلاّب من غزة، الذي يقضى حكمًا بالسجن المؤبد، وتم عزله في الزنازين الانفرادية لأكثر من 12 سنة، ونظرًا لظروف العزل الانفرادي القاسية أصيب بحالة نفسية سيئة للغاية، حتى وصل به الأمر إلى عدم التعرف على ذويه أثناء الزيارة، والأسير محمد سلامة أبو خوصة (المعتقل منذ عام 1976)، الموجود في العزل الانفرادي منذ 1985م، ويعاني من أوضاع ومشاكل نفسية صعبة.

شارك عبر شبكات التواصل :

اخر الأخبار