مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان

Organization for Human Rights Meezaan

حول الإعلان عن الحركة الاسلامية كمنظمة محظورة

مقالات قانونية

حول الإعلان عن الحركة الاسلامية كمنظمة محظورة    

بعد اكثر من سبعة عشرة عاما من المداولات والتصريحات من قبل الحكومات الاسرائيلية المختلفة بدءً بحكومة نتنياهو الاولى عام  1998 ومرورا بحكومة  شارون مرورًا بحكومة اولمرت واخرها حكومة نتنياهو بخصوص كيفية التعامل السياسي والامني والقانوني مع الحركة الاسلامية في داخل الاراضي الفلسطينية 1948  برئاسة الشيخ رائد صلاح وتكرار مصطلح “اخراج الحركة الاسلامية عن القانون”، فرض امرًا واقعًا على مدار هذه السنوات  التي خلت  ان ملف تعامل الحكومات الاسرائيلية مع الحركة الاسلامية حسم منذ زمن واصبح واقع لا خلاف فيه سوى السؤال كيف سيتم ذلك قانونيا ومتى الموعد المناسب ؟

التهيئة

خلال هذه السنوات من المداولات والتصريحات لرؤساء حكومات ووزراء من مختلف التوجهات السياسية والايديولوجية بأنهم يدرسون “اخراج الحركة الاسلامية عن القانون” واستغلال الاجواء المشحونة والمرتبطة بحالة امنية حساسة ، خلق لدى المجتمع الاسرائيلي عبر ابواق الاعلام العبري رسالة مفادها أنه  لا بد من شيطنة الحركة الاسلامية وقياداتها وربطها “بالتطرف والتحريض على العنف ” حتى وان لم يكن لها علاقة لا من قريب او من بعيد  بالإرهاب والتطرف او بالتهم التي وجهت الى الحركة مؤخرا – زورا وبهتانا- كتبرير لإخراجها عن القانون.

 وهنا لا بد من التنويه ان الحكومة الإسرائيلية وجهت اصابع الاتهام خلال الانتفاضة الاخيرة والتي بدأت الشرارة الاولى لها في شهر اكتوبر تشرين اول لكل من حماس والسلطة الفلسطينية والحركة الاسلامية مع العلم ان ما ميز هذه الانتفاضة عدم تحريكها من قبل الحركات والفصائل الفلسطينية ، انما  هي انتفاضة شعب يقوده الشارع الفلسطيني…. وهنا جاء دور الاعلام العبري ليقوم بدوره بإتقان وخلق اجواء مناسبة للحكومة الاسرائيلية لاتخاذ قرار تاريخي ومفصلي بحق الداخل الفلسطيني والاعلان عن حظر مركب من مركباته الا وهو “إخراج الحركة الاسلامية عن القانون” كما يحلو للسياسيين ورجال الامن منهم تسميته مع العلم  ان المصطلح الصحيح قانونا هو “الاعلان عن الحركة الاسلامية كمنظمة محظورة “.

التنفيذ

وبالفعل في يوم 15.11.2015 وخلال انعقاد الجلسة الاسبوعية للمجلس الوزاري المصغر لحكومة نتنياهو، وقع وزير الامن “الدفاع” الاسرائيلي موشي يعلون” بوجي” والمخول بذلك قانونيا، بالإعلان عن الحركة الاسلامية كمنظمة محظورة وفقا لقانون اوامر الطوارئ 1945 وهو قانون سن من قبل الحكومة البريطانية في فترة الانتداب البريطاني على ارض فلسطين، وما زالت الحكومات الاسرائيلية المتداولة من حينها الى يومنا هذا تمدد سنويا حالة الطوارئ وتعمل وفقا لهذا القانون.. والذي يميزه انه يحوى بطياته صلاحيات ادارية احادية الجانب واجراءات قمعية وتعسفية من قبل السلطات الرسمية مع أي انسان “مواطن او غير مواطن” تطأ قدمه الاراضي التي تمارس اسرائيل عليها سيادتها القانونية.

وحسب النص الصادر من قبل وزير الامن  بعنوان “الاعلان عن منظمة محظورة : يدعي فيه  ” بعد اقتناعي ان الامر مطلوب للحفاظ على امن الدولة، سلامة الجمهور والنظام العام، اعلن بهذا ان مجموعة الاشخاص، المسماة “الحركة الاسلامية” ونشطاءها المركزيين هم رائد صلاح محاجنه، كمال حسين خطيب.. ” فيما يلي “الحركة” ويشملها مجلس الشورى والادارة التنفيذية للحركة وكل جسم ، مكتب، مؤسسة، جمعية، صندوق، شركة، منظمة، مجلس، رابطة، او مركز، التابعين للحركة – بكل اسم يسمى هو منظمة محظورة حسب انظمة الطوارئ.”

كل من يرى بنفسه متضررا من هذا الاعلان، يستطيع ان يقدم اعتراضه برسالة مكتوبة للمستشار القضائي لجهاز الامن، وذلك خلال 30 يوما من معرفته عن هذا الحظر“.

وبعد منتصف يوم 16.11.2015 اقتحمت قوات الامن من شرطة وجهاز الامن العام المخابرات “الشاباك” مكاتب الحركة الاسلامية وصادرت اوراقا ومستندات وملفات، وقامت بإلصاق امر حظر الحركة الاسلامية على ابواب المكاتب واستدعت قياداتها للتحقيق وابلاغهم بأمر الحظر رسميا في صبيحة يوم 17.11.2015.

كما قامت باقتحام بعض المؤسسات والجمعيات الاهلية وصادرت ممتلكاتها ووضعت اليد على الحسابات البنكية لها فيما كان معظمها خالي الوفاض، والصقت امرا بوضع اليد على 17 مؤسسة وجمعية اهلية غير حكومية على انها تابعة للحركة الاسلامية وعليها فهي كذلك بنظر القانون معلن عنها كمنظمات محظورة!! مع التأكيد هنا ان جميع هذه المؤسسات والجمعيات لها شخصيتها الاعتبارية القانونية المستقلة في ادارتها واعضائها وميزانياتها وقراراتها.

في تاريخ 19.11.2015 قام وزير الامن بالتوقيع على امر حظر جديد يشمل اضافة 3 مؤسسات اهلية على اعتبارها انها تابعة للحركة الاسلامية وبالتالي وضع يده على املاكها وحساباتها ومنها مؤسسة الاغاثة الانسانية في الناصرة التي تكفل شهريا 23000 يتيم فلسطيني وبذلك وضعت الحكومة الاسرائيلية يدها على مبلغ 1.5 مليون شاقل كان معدا لتكاليف زرع كلية وكبد لفتاة فلسطينية ترقد في المستشفى بانتظار اجراء العملية كما نتج عن قرار الحظر لمؤسسة الاغاثة منع وصول الاموال للأيتام والاسر الفقيرة بحجج واهية دون توجيه أي شبهة او مخالفة قانونية للمؤسسات والجمعيات الاهلية او لأعضائها او موظفيها سوى انها تعتقد انها تابعة للحركة الاسلامية، مع التنويه ان جميع المؤسسات والجمعيات الاهلية مسجلة قانونيا لدى مسجل الجمعيات وتدفع الضرائب والمستحقات اللازمة ومعظمها لديها ادارة سليمة وفقا للقانون.

المفارقة القانونية

ان الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الاسرائيلية ومجلس وزرائها المصغر ومستشارها القانوني جاءت بعد ان تمحورت جل ادعاءاتهم بشبهات صبغتها جنائية ضد للحركة الاسلامية ، مثل التحريض على العنف ودعم المرابطين والمرابطات في الاقصى ماليًا ، وهي اجسام حظرت للحد من دورها في التصدي للمقتحمين اليهود للمسجد الاقصى وفقا  لتبريرات الاحتلال الاسرائيلي ، كما تم الادعاء ان مصادر اموال الحركة الاسلامية من ذات منبع اموال حماس، وهنا يسأل سؤال بسيط لماذا لم يحقق مع أي شخص او قيادي من الحركة الاسلامية بهذه المخالفات مع انها جنائية بحت، وحسب القانون الاسرائيلي فأنَّ مثل هذه المخالفات او الشبهات يجب أنْ يتحمل مسؤوليتها افراد مخالفون للقانون بعينهم  ، وليس جماعات – كحال الحركة الاسلامية –  كعقاب جماعي، وهنا نقولها بشكل واضح وهو ما  يجعلنا نجزم بناء على المنظور القانوني في ان جميع تصريحات ونشاطات وفعاليات الحركة الاسلامية وقياداتها لم يكن فيها أي مخالفات قانونية وجنائية  ، وهذا الامر خيب امال وتوقعات الحكومة الاسرائيلية لأنها طمعت على مدار العقد الاخير بمحاولة ربط قيادات الحركة بمخالفات جنائية للزج بهم لسنوات طويله في السجون ، وعليه لم يبق سوى اللجوء الى قانون الطوارئ واتخاذ اجراء اداري احادي الجانب بالإعلان عن حظر الحركة الاسلامية وهو اجراء غير خاضع للقضاء الاسرائيلي بلحظة اتخاذه وتنفيذه، الا ان القانون يتيح فيما بعد للاعتراض عليه امام الجهة التي اصدرته ومن ثم الطعن والالتماس لمحكمة العدل العليا بصفتها اعلى جهة قضائية في اسرائيل ، حيث تتم هذه المداولات بناء على ادلة سرية لا يعلمها الا جهاز الامن العام  “الشاباك” والنيابة العامة والقضاة ولا يعرف عنها الطاعن والملتمس ضد القرار.

تجارب الماضي مع قانون الطوارئ

تجارب الماضي تفيد انه لم يكن هناك ولو قرار واحد قبلت به المحكمة العليا ادعاءات الملتمس او الطاعن بمثل هذه القرارات بل جميعها جاءت لتصادق على القرار الاداري وحمايته بصياغة قانونية تشبه ذات الصياغة القانونية التي استعملت آنذاك لتبرير سياسات الابرتهايد على انها قانونية. والسؤال هنا ، عن أي قانون يتحدثون؟ ، قانون الطوارئ 1945!! والذي استعمله الاحتلال البريطاني ابان الحرب العالمية الثانية لضمان السيطرة على الفلسطينيين الرافضين للانتداب البريطاني والحركة الصهيونية وبعدها تنصلت منه الحكومة البريطانية  لأنه يشرعن الدكتاتورية بغطاء قانوني.

الملفت للنظر ان جميع قضاة اسرائيل يعون ذلك  وبقراراتهم يوجهون نداء للحكومة والمجلس التشريعي الكنيست على حثهم لاستبدال قانون الطوارئ لانه يحرجهم لما في من عيوب تتعارض مع اسس القانون الدولي والمواثيق الدولية وان استمرار استعماله يتعارض مع مفهوم الديمقراطية،  ويقضون في نهاية المطاف وفقا للقانون دون قبول أي طعن في دستوريته ليكون القضاء الاسرائيلي شريكا في جريمة قانون الطوارئ الذي يدفع ثمن اجراءاته التعسفية الشعب الفلسطيني فيما يتعامل القضاء الاسرائيلي مع المجموعات الارهابية اليهودية كمجموعة تدفيع الثمن و فتيان التلال في المستوطنات في الاراضي المحتلة بيد حريرية وتسامح.

وللإشارة على اجراءاته التعسفية نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، الاعتقال الاداري دون محاكمة ودون ادلة، الحبس المنزلي، الاقامة الجبرية في منطقة محددة دون غيرها، منع دخول منطقة معينة وتسمى التهجير القسري، الاعلان عن حظر منظمات او جمعيات، منع مغادرة البلاد، وضع اليد على الاموال ومصادرتها وغيرها، وكما ذكرت اعلاه انها اجراءات ادارية من جانب واحد والقانون لا يحدد عدد مرات استعمالها.

وعليه نصل الى ان السبب الحقيقي وراء اجراء الاعلان عن حظر الحركة الاسلامية وأكثر من عشرين مؤسسة وجمعية اهلية هو قرار سياسي بامتياز له أبعاد اخرى منها الدينية والوطنية ولضرب النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي الفلسطيني في ” اسرائيل” والتخويف من  العمل الاسلامي والمشاريع التي تقوم بها الحركة الاسلامية وضرب التواجد الديني لمسلمي الداخل في القدس والمسجد الاقصى  .

الضربات التي وجهت للحركة الاسلامية والعمل الاهلي ..

اكثر من 20 عاما والحكومة الاسرائيلية تقوم بتوجيه ضربات متنوعة لمشروع المجتمع العصامي الذي طرحته الحركة الاسلامية للنهوض بالمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني 1948 والذي ينادي باختصار بإقامة اطر جماهيرية ومؤسسات اهلية غير حكومية  تخدم المجتمع العربي المهمش من قبل الحكومات الاسرائيلية فيما يتعلق بحقوقه الاساسية، على ان تقوم هذه المؤسسات والاطر ببناء الهوية الوطنية السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية للداخل الفلسطيني وبناء لجنة متابعة للجماهير العربية منتخبة بشكل مباشر من فلسطيني الداخل تمثل السقف الاعلى لجميع الحركات والاحزاب العربية (صورة عن حكم ذاتي لفلسطيني الداخل).

انتبهت الحكومة الاسرائيلية لخطورة هذا الطرح والذي لا يروق لها بتاتا بل ترى فيه خطرا على امنها وسيادتها (بعد ان ايقنت انه ليس شعارا رنانا بل مشروع بدأ تنفيذه ميدانيا) وبالذات بعد الانشقاق الذي حدث في الحركة الاسلامية حول مسألة خوض انتخابات الكنيست الاسرائيلي عام 1996 اذ رفض قسم منهم بانخراط الحركة الاسلامية في مشروع الانتخابات الاسرائيلية كجزء من مركبات الدولة والذي ترى فيه تناقضا مع طرحها الاساسي وهو بناء مجتمع عصامي ولجنة متابعة لها تمثيلها وسيادتها.

وعليه اول ضربة كانت اغلاق مؤسسة الاغاثة الاسلامية في الناصرة عام 1996 والتي كانت تدعم عائلات الايتام من الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعدها في عام 2003 تم اعتقال العشرات من ابناء الحركة الاسلامية واغلاق جمعيتين عملتا في الإغاثة ومصادرة اموالها والزج بالسجن لثلاثة سنوات برئيس الحركة الاسلامية الشيخ رائد صلاح والقيادي في الحركة الاسلامية الدكتور سليمان اغبارية رئيس بلدية ام الفحم وثلاث شخصيات اخرى لها الباع الطويل في العمل الاهلي والاغاثي للشعب الفلسطيني.

في اخر 15 عاما قامت الشرطة الإسرائيلية بتقديم 6  لوائح اتهام مختلفة ومنفصلة ضد الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية تشمل اكثر من 10 مخالفات متنوعة  لجميعها صبغة سياسية، واعتقال نائبه الاول الشيخ كمال خطيب خلال رباطه في المسجد الاقصى والاعتداء جسديا على نائبه الثاني الشيخ حسام ابو ليل وكذلك تم تقديم لوائح اتهام ضد قياديين في الحركة الدكتور سليمان اغبارية والشيخ علي ابو شيخه خلال احتجاجاتهم على هدم باب المغاربة عام 2006 في مدينة القدس.

كما وقامت بالتحقيق مع عشرات القياديين منها واصدرت بحقهم اوامر منع مغادرة البلاد واوامر منع دخول مدينة القدس وضواحيها واوامر منع دخول المسجد الاقصى، وكذلك بالتحقيق مع مئات الشباب ممن يعتبرون من ابنائها او مناصريها بتحقيقات مخابراتيه هدفها التخويف والترهيب لثنيهم عن العمل او المشاركة في فعاليات ونشاطات الحركة الاسلامية او الاغراء والترغيب لتجنيدهم في صفوف المخابرات، وبجميعها كانت محاولات لجمع اكبر كم من المعلومات عن الحركة الاسلامية وقاداتها .

كما وقامت الحكومة الإسرائيلية خلال  العشرين عاما الاخيرة بأغلاق 27 مؤسسة وجمعية اهلية بادعاء انها تابعه للحركة الاسلامية بل قامت بالإعلان عن حظر اكثر من 4 مشاريع واطر لدعم القدس والاقصى.

كذلك بالإعلان عن حظر اكثر من 50 جمعية ومؤسسة اهلية عربية او اسلامية تعمل في الدول العربية والاسلامية ودول اوروبية كانت الحركة الاسلامية تتواصل واياها في مشاريعها وافكارها، حيث كان دائما القاسم المشترك بينهم العمل من اجل للقضية الفلسطينية بأبعادها المختلفة.

الخلاصة..

 ان هذه الاجراءات جاءت ضمن محاولات الحكومة الاسرائيلية بالتوغل في سياسة تجريم العمل السياسي والاهلي الجماهيري بملاحقات سياسية لقيادات في الداخل الفلسطيني 48 بصبغة قانونية تمثلت بالإعلان عن الحركة الاسلامية  كمنظمة محظورة وشملت بإعلانها كذلك عن عشرين مؤسسة وجمعية اهلية في محاولة اخرى لتجريم الحقوق الاساسية والمدنية لجمعيات تعمل في خدمة الجمهور العربي بمناح عدة منها الاغاثة والتعليم والثقافة والاعلام والاقتصاد والتنمية  وغيرها…

 هذه المحاولات من اهدافها تقزيم وتجريم العمل السياسي وترويع القيادات السياسية والنيل منها والحد من نشاطاها النضالي والحؤول بينها وبين جماهيرها وهي تؤكد مرة اخر ان اسرائيل ما زالت دولة ابرتهايد بعيدة عن ان  تكون  دولة ديموقراطية.

مع الاحترام – عمر خمايسي 

*مدير عام مؤسسة ميزان لحقوق الانسان- الناصرة ـ ومحام في طاقم الدفاع عن الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني.

شارك عبر شبكات التواصل :

اخر الأخبار